الخبير الديبلوماسي حامد بن إبراهيم لـ”لوبوان”: “الشام بين الحرب والتمزق الطائفي ..وورقة الصراعات الطائفية أفقها محدود”

.الضغط الأمريكي على لبنان سعي لحماية إسرائيل وتهرب من المواجهة العسكرية”
.التموضع غير العقلاني لبعض القوى الإقليمية خطر استراتيجي على ديمومة وجودها”
لوبان تي آن:
في إطار متابعة الهواجس الأمنية والتحولات الجيوسياسية المطروحة في المنطقة العربية وتفاعلاتها مع المحيط الإقليمي والدولي، حاورت “لوبوان تي آن” الأستاذ حامد بن إبراهيم، الخبير الديبلوماسي والاستشاري في العلاقات الدولية، الذي تحدث الينا عن ما يجري في سوريا وغزة والمنطقة العربية ككل وحول التحولات التي يشهدها العالم راهنا ومستقبلا. وفيما يلي نص الحوار”
“لوبوان تي آن”: كيف تقرؤون الضغط الأمريكي لتجريد حزب الله من سلاحه الرّدعي؟
السعي الأمريكي لتقييد عناصر قوة لبنان مبعثه اليقين ان البُنيان الداخلي لإسرائيل تآكل، واختلّ وضعها الدولي من حيث الصورة والقبول؛ والأخطر التسليم باهتراء سردية المظلومية الهولوكوستية. والهجمة الدبلوماسية غير المسبوقة على لبنان، بضغط السّفيرة المقيمة وباراك السفير الزائر والمبعوثة الخاصة اورتيغوس، مُنطلقُها الضعف وليس القوة. فالغرب يدرك أن بقاء إسرائيل يحتاج، ولو لفترة محدودة، إلى ضمانات في شكل قيود لجيرانها، من حيث التسليح والجاهزية، أو لضُعفٍ في محيطها، بتمظهرات مختلفة كالتجزئة والنزاعات الداخلية والانهيار الاقتصادي.
لوبوان تي آن”: ما هو التحدي الأساسي بالنسبة للمفاوض اللبناني وربما كذلك الفلسطيني واليمني؟
المهم في هذه المرحلة، أن تصل الرسالة الى أصحاب القرار في أمريكا، بأن المنطقة تم التنكيل بها لدرجة انعدم ما يستحق التنازل عن الحقوق من أجله، بما في ذلك الأمن والاستقرار. والرسالة من لبنان لإسرائيل يجب أن تكون: إما الرجوع لخط هدنة 1949 أو الخراب للجميع. هذه الرسالة كانت عنوان الاحتجاج على زيارة “السفير الزائر”، “المبعوث المستثمر”، طوم براك في جنوب لبنان وصور؛ فالمشهد كان في غاية الأهمية، لأن المحتجين نساء وأطفال. ما جرى، واجبار براك على الغاء برنامج زيارته، يَفهمه المتلقي الأمريكي في بعده العسكري بما يعادل: “إن كانت حلقتنا الأضعف لا تساوم فلا تحاولوا تجربة عناد وبأس حلقاتنا المقتدرة المتأهبة”. كما تُرجعنا حركة الاحتجاج لمواقف سابقة لمرجعيات لبنانية شيعية، منها العلامة مُغنية، تقول ما معناه “إذا كان لا بد من تحمل ضربات الانتقام الإسرائيلية من اجل الوقوف في وجهها، فهذا ثمن يدفع بكل شرف”. هذا نفسه تقريبا ما تعكسه مواقف اليمن والمقاومة الفلسطينية وهذا منسجم مع العدد من الصراعات السابقة في التاريخ؛ فلو ركز الاتحاد السوفياتي والثورة الجزائرية والفيتنام على احتساب عدد الضحايا لما قاوموا وما انتصروا.
“لوبوان تي آن”: هل أصبح الثنائي الوطني (الشيعي) في لبنان في عزلة وهل من افق لتجاوز المحنة الراهنة؟
دقة الظرف في لبنان، وخطورة الوضع المرتبط بالهجمة الصهيونية على جبهة المقاومة، من خلال أمريكا وادواتها في الداخل اللبناني وفي الإقليم، تحتم توسيع جبهة الصّد ومنع تصوير المواجهة كشأن فِرقَوي فِئوي طائفي. ومن الحكمة، تجنب الخطأ الذي وقع فيه الفلسطينيون اذ تحولت قضيتهم إلى صراع المسلمين ضد اليهود من أجل القدس؛ وهو ما خدم سردية أنصار الحركة الصهيونية، وساعدهم في تقديم ممارسات إسرائيل كضرورة للدفاع عن اتباع ديانة يتعرّضون للإقصاء والاعتداء على مقدساتهم. هذه السّردية تُستغل للتعتيم على جوهر المشكل الفلسطيني الحقيقي، من اغتصاب للأرض والاستيطان والعنصرية والفصل العنصري. الجهد الخطابي الفلسطيني لم يركّز، بما يكفي، على أوراق قوة متعددة ومتاحة، كالتأكيد على انّ النضال من اجل مقدسات كل الأديان؛ الشيء الذي ابدعت فيروز في تبليغه بكلمات بسيطة في اغنيتها ” يا قدس”. انخرط في النضال الفلسطيني، مقاومون من مختلف العقائد والمذاهب، ورغم التنوع، حُسب اغلبهم على اليسار والحركات القومية وذابوا في منظمة التحرير. وقد تمكنت آلة الاعلام الغربية من تقديم المنظمة كواجهة للمسلمين؛ وكان من السهل تشويههم واتهامهم بالإرهاب. استفحل هذا الوضع، خاصة بعد الانزلاق السُّني المُهلك في أحضان الوهابية، ثم السلفية الجهادية التكفيرية، فالقاعديّة البِنْلادِنيّة ثم الداعشية النُّصروِيّة، وانتهت في سوريا “جولانيّة”.
“لوبوان تي آن”: ما رأيكم في القول بان لبنان تتهدده إسرائيل والاطماع الخارجية لكن الأخطر طبول الحرب الطائفية التي تقرع!
محاولات تأجيج الصراع الطائفي محكوم عليها بالفشل، ورغم ان الجهة المتعرضة للضغط والاستهداف في لبنان شيعية، الا ان الممانعة والمظلومية عابرة للطوائف، والرفض للاستغلال والاستنقاص والمحاصرة كذلك عابر للطوائف. والتحليل التواصلي لخطاب الثنائي الوطني، يُظهرُ حرصا دائما على توسيع “التمثيلية المجتمعية” في الخطاب، بالإشارة إلى “المسيحيين الوطنيين” و”السنة الاحرار التقدميين” و” الاخوة الدروز الصامدين ضد التكفيريين” والى “الاحرار والقوى الحية في الإقليم وفي العالم”. هذا الأسلوب في الاتصال، مهم للرد على من يحاول حصر الصراع وتقديمه على أنه شيعي-إيراني إسرائيلي. البعض لا يتردد حتى في التشكيك في انتماء طائفة اتباع اهل البيت لبلدهم لبنان، ويتهمهم بالتبعية لإيران. ومن يراجع التاريخ، بمنهج بحث موضوعي ومتجرد من الخلفيات العرقية والعقائدية، سيتبين له عكس ذلك؛ بل يمكن الحديث عن نوع من التبعية الإيرانية للبنان. فالعلماء من الجنوب اللبناني، او منطقة جبل عامل، التي تمتد داخل شمال فلسطين، يحكمون إيران منذ 500 سنة؛ وعروبة القيادة في إيران أسهل إثباتا من عروبة الكثير من القيادات العربية في المنطقة. وتكفي الإشارة لأصول الإمام علي خامنئي، للتأكيد على هذه الفكرة. المسؤول الأول في إيران، ينتمي لعائلة من أهل البيت احتمت بالأندلس، وطّردت منها بعد مئات السنين فلجأت لأذربيجان. كما له نسب يرجع لعائلة الكركي في لبنان.
“لوبوان تي آن”: وهل يمكن ان يُعقِّد صعود السّنة في سوريا الوضع بالنسبة للأقليات في المنطقة وخاصة الشيعة؟
للعلم، لا أحد من الأئمة الأربعة قال عن نفسه “أنا سُنّي”؛ كلهم كانوا على بينة من أنّ السُنّة في الاستعمال القرآني في سياق الألوهية، أي سُنَّة الله في الخلق وسُنن الكون. وتاريخيا، الخلاف السني الشيعي هو خلاف سياسي اقترن بممارسات الأُمويين والعباسيين اللذين سعوا لتكريس “سُنيّة ُسفيانيّة” مقترنة بالعداء لآل البيت. ويظهر هذا في امتناعهم عن التسمية بأسماء ال محمد ومن نصرهم كعمار وياسر وابي ذر ومقداد وحمزة. اما عقائد المذاهب السُّنية في جوهرها فهي “آل بيْتيّة”. وفي العراق والشام والمغرب العربي ومصر وآسيا والقوقاز لا تغيب المسحة الصوفية، التي لا يمكن فصلها عن العِرفانية والحكمة وعلم الكلام ودور الامام علي في هذا السياق لا يحتاج لتحليل. ففي شمال افريقيا مثلا، تجد اسماء علي والحسن والحسين والصادق وجعفر وزينب وسكينة، رغم أن المذهب الرسمي مالكي او شافعي. فالسُّنة إذا، منقسمة إلى سنة “سُفيانيّة بٍلاطيّة ” ولاؤها سُلطوي أُموي، وهذه لا يرجى منها خير، وهي التي أنجبت الوهابية وتفريعاتها؛ وفي مقابلها “السُّنة الآلْ – بَيتِيّة” المتصالحة مع ولاية الامام علي ولا تخفي حُبها لآل البيت، وهي التي يغلب عليها الطابع الصوفي العرفاني. كما تجمع العروبيين والفصائل العقائدية في فلسطين واغلب سنة لبنان وسوريا والعراق والأردن واليمن وآسيا. وستبقى هذه الفئات تبني الجسور مع كل الطوائف بتعالٍ عن الاختلافات المذهبية والتركيز على المخاطر الحقيقية المتمثلة في مشاريع الاستعمار القديم المتجدد.
“لوبوان تي آن”: البعض يستغرب من تموضعات بعض الأطراف في الصراع، فهل من قراءة حول بعض المواقف التي تفتقد للعقلانية أحيانا؟
التموضع غير العقلاني لبعض القوى الإقليمية خطر استراتيجي على ديمومة وجودها. وللتاريخ والحضارة دور مفصلي في القراءات الجيوسياسية، فيمكن تفكيك أسباب التّموقع اللاّعقلاني لبعض الأطراف وفهم طبيعة تحالفاتها المعلنة والمستترة، باعتماد معيار الانتماء التاريخي. وهنا، يمكن الحديث عن “حلف لا حضاري” ليس وريثا لحضارات قديمة؛ ويضم بعض الدول العربية، من الافراز الاستعماري البريطاني، وتركيا واذربيجان والاقاليم الكردية وامريكا وإسرائيل. هذا الحلف، غير مُهيكل تنظيميا، لكنه متضامن في استهداف كل ورثة الحضارات الضاربة في التاريخ في المنطقة العربية. فالمغرب العربي وريث قرطاج وروما والوندال والبيزنطيين، ومصر والسودان ورثة الحضارة النوبية الفرعونية، وإيران وافغانستان احفاد فارس وبوذا وزارا دشت، دول الشام وريثة كنعان وفينيقيا، والعراق حفيد بابل وحمورابي، واليمن وعُمان أصل الحضارة في الشرق الاوسط. آمّا روسيا، فتُستهدف رغم ان تاريخها حديث نسبيا – 1100 سنة – بسبب تموقعها ثقافيا في عمق الشرق الأوراسي، وباعتبارها مسيحية أرثوذكسية. فروسيا لا تلتقي ثقافيا مع المسيحية الغربية القيصرية، كاثوليكية كانت ام بروتستنتية ام مسيحية صهيونية. هذا فضلا عن أن خمس سكان روسيا المسلمين، خاصة في تتار ستان والقوقاز، صوفية قادرية على المذهب الحنفي، وعقيدتهم مبنية على الزهد وتبجيل آل البيت. هذه الخلفية، توفر أرضية للتقارب الروسي الإيراني، لارتباط الصوفية بالإمام علي، وللعلاقة الوطيدة التي ربطت الامام الأعظم ابي حنيفة بالإمام جعفر الصادق. وفي المقابل، وجود أربعين مليون مسلم حنفي صوفي بروسيا، يعتبر عامل قلق لمتزعّمي السُّنة السلفيّة السُّفيانيّة، لان هذه الأقلية متماسكة وتجنيدها للمؤامرات السلفية الداعشية مستعصي؛ وان سُجِّلت بعض النجاحات في استدراج الشيشانيين والداغستانيين الى سوريا والعراق.
-حاوره غسان الصديق-