أراء

التناغم المطلوب بين أجهزة الدولة و خطر الاختلاف !!

بقلم ريم بالخذيري

الدولة هي مجموعة من الأجهزة والمؤسسات التي تكمّل بعضها البعض لضمان السير العادل والفعال للشأن العام. هذه الأجهزة، سواء كانت تنفيذية أو تشريعية أو قضائية، أو حتى أجهزة رقابية وأمنية، لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض، بل هي شبكة مترابطة تتطلب انسجامًا وتنسيقًا دقيقًا لتقديم خدماتها للمواطنين بنجاعة. وقوة الدول تستمدّ من هذا التناغم .

فالتناغم بين أجهزة الدولة ليس واجهة ديمقراطية، بل هو عنصر جوهري لاستقرار المجتمع واستمرار الدولة. فعندما تتكامل الأجهزة، يمكن للدولة أن تتخذ قرارات إستراتيجية سليمة، وتنفذ سياسات عامة متماسكة، وتستجيب للأزمات بسرعة وفاعلية.

بالإضافة إلى ذلك، يعزز التناغم الثقة بين المواطنين والدولة. فالمواطن الذي يرى الأجهزة تعمل بانسجام ويشترك بعضها في خدمة الصالح العام يشعر بالاطمئنان ويكون أكثر احتراما للقانون.

وعلى النقيض، فالاختلاف والتنافر بين أجهزة الدولة يسبّب الشلل في الإدارة وتقاذف كرة القرارات. فعندما يحدث  تضارب في الصلاحيات أو تعارض في السياسات بين أجهزة الدولة، تتباطأ عملية اتخاذ القرار، وتصبح استجابتها للأزمات متأخرة وتصبح البيروقراطية هي المتحكمة و الحاكمة.

هذه الإرهاصات ظهرت خلال مناقشة ميزانية 2026، إذ أظهرت اختلافًا عميقًا في الرؤى بين الحكومة ومجلس النواب، حتى تحول جزء من النقاش إلى محاولة انتزاع صلاحيات واستعراض للكلمات. كما كشفت هذه النقاشات عن مواطن قوة لدى بعض النواب والوزراء، وفي الوقت نفسه عن مواطن ضعف لدى آخرين، مما يعكس أثر التباين في الكفاءة على عملية صنع القرار. إضافة إلى ذلك، ظهرت المشاريع المعطلة كسبب مباشر لعدم التناسق بين السلط، إذ أثرت العوائق البيروقراطية والمواقف المتباينة على تنفيذ السياسات العامة بشكل آلي.

إن تحقيق التناغم بين أجهزة الدولة يحتاج إلى قواعد واضحة للتعاون وتوزيع الصلاحيات، وآليات شفافة لحل الخلافات الداخلية متى وجدت.

ومن أهم هذه الآليات:

*التشريعات الواضحة بوضع قوانين تحدد صلاحيات كل جهاز وحدود تداخله مع الأجهزة الأخرى.

*آليات التنسيق الدائم من خلال اجتماعات دورية بين القيادات التنفيذية والإدارية لمناقشة السياسات العامة ومتابعة تنفيذها.

*ثقافة العمل المشترك عبر تعزيز قيم الولاء للدولة والخدمة العامة بين موظفي الأجهزة المختلفة، بدل التنافس الضار وحالة الأيادي المرتعشة لعدد من المسؤولين.

*الرقابة والمساءلة بوجود أجهزة مستقلة تضمن أن كل جهاز يؤدي دوره دون تجاوز أو إخلال بحقوق الآخرين.

إن التناغم بين أجهزة الدولة ليس مجرد خيار إداري بل ضرورة إستراتيجية لاستقرار الدولة وحماية مصالح المواطنين. وعلى العكس، فإن الاختلاف والتنافر الداخلي كما قلنا  يهدد قدرة الدولة على حماية نفسها وتقديم خدماتها، ويضعف ثقة المجتمع بها. لذلك، يجب أن يكون التنسيق والانسجام بين الأجهزة هدفًا مستمرًا، وممارسة ثابتة في كل السياسات والإجراءات، لضمان دولة قوية وفعالة ومتماسكة.

و يجب أن تعمل الدولة بكامل طاقتها وكفاءة أجهزتها ومؤسساتها. وهنا تتجلى أهمية رئاسة الجمهورية في لعب دور الحَكَمَ بين هذه الأجهزة والمؤسسات، سواء بتقريب وجهات النظر أو التنسيق أو التصويب، لضمان انسجام العمل العام وتحقيق الأهداف الإستراتيجية للدولة.

ففي هذه الحالة فقط يكون الاختلاف ظاهرة مرضية لاصحية ولاعلاقة للأمر بالديمقراطية بل يصبح الأمر شعبوية تعطّل وجب معالجتها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى