أراءالشرق الأوسط

البيان الثلاثي البريطاني الفرنسي الكندي يعارض شكلا التطهير العرقي في غزة ويؤكد حق “إسرائيل في الدفاع عن نفسها

لوبوان تي ان :

 

بعد 19 شهرا من عدوان الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات العدوان الصهيوني في غزة استفاق شركان كيان العدوان الصهيوني الأوروبيون على حجم الجريمة الصهيونية غير المسبوقة على امتداد تاريخ الصراعات والحروب في العالم لتصدر فرنسا وبريطانيا ومعهما كندا بيانا يوم الثلاثاء بشأن الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية لا يُعد معارضةً لجريمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين التي ينفذها كيان العدوان، بل هو محاولة من رئيسي الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس وزراء كندا مارك كارني لتوفير غطاء قانوني لأنفسهم على جريمة القتل الجماعي والتطهير العرقي.

بعد 19 شهراً من تواطئهم مع حكومة بنيامين نتنياهو في الوقت الذي زاد فيه عدد الشهداء الفلسطينيين الذين قتلتهم قوات العدوان الصهيوني عن 65 ألف وإصابة وإعاقة ما يزيد عن 130 ألف وتدمير كامل البنية التحتية والحضرية في قطاع غزة، أصدر القادة الثلاثة إعلاناً مملوءاً بالرياء والعجز، مفاده أنهم يعارضون بشدة “توسيع” العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

ما يسمونه “توسيعاً” هو في الحقيقة تعهد من نتنياهو بـ”السيطرة” على غزة واستكمال عملية تطهيرها عرقياً، من خلال ترك مليوني فلسطيني أمام خيارين: النفي الدائم أو الموت.

ويزعم القادة الثلاثة في بيانهم المشترك أنهم “مصدمون” و”غاضبون” من المعاناة الإنسانية “غير المحتملة” في غزة، ويصف مزاعم نتنياهو سماح حكومته بإدخال “كمية أساسية من الغذاء” بأنه “غير كافٍ على الإطلاق”، ويدعو الحكومة الإسرائيلية إلى “وقف عملياتها العسكرية في غزة والسماح فوراً بدخول المساعدات الإنسانية… وفقاً للمبادئ الإنسانية”. ويحذر من أن تجاهل ذلك “يخاطر بانتهاك القانون الإنساني الدولي”.

يتبع ذلك قائمة مكررة من الأعذار لتبرير الجرائم الإسرائيلية، وهي الأعذار التي مزقت القانون الدولي إرباً. ويدعو البيان دعوة حماس لإطلاق سراح “المحتجزين الإسرائيليين المتبقين لديها، مكررين وصف طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 بالـ”هجوم الشنيع”، متبوعاً بتأكيد أن “لدينا دائماً موقف داعم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب”.

وهذا يعني أن حلف العدوان على قطاع غزة لا يمانع “عمليا” من مواصلة الكيان الصهيوني عدوانه على غزة ولكن ليس التصعيد الأخير، بما يدفع المقاومة الى الاستسلام والتخلي عن السلاح.، وقد أوضح كامل حلف العدوان ذلك وأن تتخلى حماس عن السلطة في غزة وقد وافقت حماس على التخلي عن السلطة شريطة وقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من القطاع وفتح المعابر واستئناف المساعدات الانسانية والأدوية إلى غزة.

وفي تصعيد لغوي، يصف القادة الثلاثة التصعيد الحالي بأنه “غير متناسب على الإطلاق”، مضيفين: “لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأفعال الفظيعة. إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع القيود على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ إجراءات ملموسة أخرى رداً على ذلك.”

لكن ما هي هذه “الإجراءات الملموسة”؟ البيان لا يشير سوى إلى “عقوبات مستهدفة” ضد أي محاولات لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، دون أي إشارة إلى غزة أو ضمها الدائم.

من بين هذه الإجراءات ما أعلنته الحكومة البريطانية عن استدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن، تسيبي حوتوفلي، وتعليق مفاوضات «اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل». وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إنّ «سياسات حكومة نتنياهو في غزة والضفة الغربية تمنع إحراز أي تقدّم في المفاوضات»، مؤكداً أن «أسلوب إدارة الحرب يضرّ بالعلاقات الثنائية».

ومن ناحيتها، بدأت السويد تحرّكاً داخل «الاتحاد الأوروبي» للضغط في اتجاه «فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين»، في حين وافقت 17 دولة أوروبية على مراجعة «اتفاقية الشراكة مع إسرائيل»، مقابل اعتراض 9 دول أخرى. وتشمل المراجعة «شرط التزام إسرائيل بحقوق الإنسان»، وقد تفتح المجال أمام فرض عقوبات تجارية مستقبلية.

وفي ظل تصعيد كيان العدوان الصهيوني جرائمه بما فيها تجويع سكان غزة وتقطيع أوصال الضفة الغربية ، فإن إعادة التأكيد الشكلية على “دعم دولة فلسطينية قابلة للحياة” و”حل الدولتين” ليست سوى تبرير شكلي وغسل للواقع.

كل هذا يُقدَّم على أنه دعم لـ”الجهود التي تقودها الولايات المتحدة وقطر ومصر”، إلى جانب السلطة الفلسطينية، وشركاء إقليميين آخرين، من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار وإنهاء “سيطرة حماس على غزة”.

في هذا الإطار، يجد المتابع لما يجري أنه أمام “معرض أشرار” يمتد من دونالد ترامب، الذي يُعد الداعم العسكري الرئيسي لكيان العدوان الصهيوني ويطمح لفرض السيطرة الأميركية على غزة، إلى الطغاة العرب الذين لم يكتفوا بالصمت، بل عمّقوا تواطؤهم مع كيان العدوان الصهيوني والولايات المتحدة بينما كانت المجازر تُرتكب في غزة.

ولم يكن رد نتنياهو نتنياهو على هذا البيان مستغربا متباهياً بأن كيانه العدواني سيواصل القتال حتى تحقيق “النصر الكامل”، وذلك بعد أن أوضح أن “الضغوط” الأميركية أجبرته على السماح بدخول تسع شاحنات مساعدات، أي أقل من 2% من المعدل اليومي قبل الحرب، والتي لن تُحدث فرقاً يُذكر في سياسة التجويع المتعمد المستمرة في غزة.

في السياق نفسه، نقلت قناة «كان» عن دبلوماسي أجنبي تحذيره من أنّ «إسرائيل تواجه خطر التحوّل إلى دولة منبوذة»، وتأكيده أن «فرنسا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا تدرس الاعتراف بدولة فلسطينية». وذكرت القناة أنّ هناك «ضغوطاً داخل إدارة ترامب أيضاً لإنهاء الحرب، مع الترحيب المتزايد بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع»، والتي أكّدت حركة «حماس» أنّ تصريحات نتنياهو بشأنها «لا تعكس الواقع»، مؤكّدة أنّ «أياً من الشاحنات التي وصلت إلى معبر كرم أبو سالم لم تُسلّم لجهات إنسانية»، متهمة حكومة الاحتلال «بمواصلة خداع العالم وإخفاء الحقائق».

وقال نتنياهو إن أعضاء مجلس شيوخ لم يُسمّهم، وصفهم بأنهم “أعظم أصدقاء إسرائيل”، أخبروه: “لا يمكننا قبول صور الجوع الجماعي. لن نتحمل ذلك. لن نتمكن من الاستمرار في دعمكم.”

قد يهاجم نتنياهو بريطانيا وفرنسا وكندا أمام جمهوره الداخلي من الفاشيين، لكن ستارمر وماكرون وكارني أيضاً من “أعظم أصدقاء إسرائيل”، وسيواصلون دعم نظامه الإبادي. في الدول الثلاث، اقترن دعم “إسرائيل” باتهام معارضي الإبادة الجماعية بـ”معاداة السامية” واضطهادهم من قبل الدولة.

وقد ردت وزارة الخارجية الإسرائيلية، على الخطوة البريطانية بالإشارة إلى أنّ «الاتفاق التجاري لم يشهد تقدّماً فعلياً منذ بداية عهد الحكومة البريطانية الحالية»، واصفة التعليق بأنّه ناجم عن «هوس مناهض لإسرائيل» ودوافع سياسية داخلية. وأضافت أنّ «العقوبات على المستوطنين في الضفة الغربية محيّرة وغير مبرّرة»، متابعة أنّ «إسرائيل لن تغيّر نهجها تحت أي ضغط خارجي».

وفي الوقت الذي كان الثلاثي يزعم أنهم “لن يقفوا مكتوفي الأيدي”، كان كيان العدوان الصهيوني يعلن مدينة خان يونس بأكملها “منطقة قتال”، وتأمر جميع المدنيين بالمغادرة وتواصل قصفها الجوي. أعلنت الأمم المتحدة أنها حصلت على إذن لإدخال 100 شاحنة مساعدات—أي خُمس المعدل قبل الحرب—لكنها حذرت من احتمال مقتل موظفيها في العملية، وأعلنت أن 14 ألف رضيع قد يموتون في غضون يومين في غزة.

وزير المالية الصهيوني المحرم بتسلئيل سموتريتش، قال إن السماح المحدود بدخول المساعدات قد يُستخدم لصالح كيانه، حيث سيسمح للقوات الصهيونية بـ”الاحتلال والتطهير والبقاء”، وتدمير حماس، و”في الطريق، يتم محو ما تبقى من القطاع… سيُدفع السكان الفلسطينيون جنوباً، ومن هناك، بعون الله، إلى دول ثالثة ضمن خطة الرئيس ترامب”.

ستارمر هو الأكثر صراحة واستمرارية في الدفاع عن إبادة غزة من بين القادة الثلاثة—وقد وصل إلى السلطة في يوليو الماضي بعد أن جعل “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” شعاره الأساسي، وأنكر مراراً أن إبادة جماعية تحدث أصلاً. وقد وقف محامو الحكومة البريطانية الأسبوع الماضي يدافعون في المحكمة عن ترتيبات خاصة تسمح بتصدير أجزاء من طائرات إف-35، التي تصل في النهاية إلى الكيان الصهيوني، استناداً إلى إنكار وقوع إبادة جماعية في غزة. وفي 13 مايو، وفي اجتماع سري في المتحف البريطاني نظمته السفارة الإسرائيلية، تباهت وزيرة الدفاع البريطانية، ماريا إيغل، بأن طائرات تجسس تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني تُجري طلعات استطلاعية فوق غزة. وفي 19 مايو، وعند سؤال ستارمر مباشرةً من قبل سكاي نيوز عما إذا كانت “إسرائيل” ترتكب إبادة جماعية، رفض تأكيد ذلك.

ربما يمكن القول أن هناك من يعتقد أن الضغط على الحكومات الإمبريالية هو الطريق لمنع الإبادة الجماعية. لكن واقع الأمر أن الطريق لا يزال طويلا، فعلى الرغم من إصدار حكومات النظام العربي الرسمي بيانات شكلية تدين جريمة التجويع والإبادة التي ينفذها كيان العدوان الصهيوني في غزة فإنها متواطئة في الإبادة الجماعية والتهجير القسري لسكان غزة. لقد سبق ان روى الصحفي الاميركي بوب وودوارد في كتابه الحرب، ان ملك الأردن عبد الله الثاني قال لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في عام 2023: “يجب على إسرائيل أن تهزم حماس. لن نقول هذا علنًا، لكننا ندعم هزيمة حماس”. وكتب وودوارد أيضًا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال لبلينكن إن نظامه “يريد فقط الحفاظ على السلام مع إسرائيل”، حتى في الوقت الذي كان فيه كيان العدوان الصهيوني يرتكب مجازر بحق الفلسطينيين.

لقد أثبتت ما يسمى مؤسسات “القانون الدولي” إفلاسها التام في وجه الإبادة الجماعية المستمرة. فخمسون عامًا من “خطط السلام” التي رعتها الإمبريالية الاورو أميركية وعدد لا يُحصى من التصويتات في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية، والاتهامات من المحكمة الجنائية الدولية ضد كيان العدوان الصهيوني وقادته,أثبتت جميعها أنها بلا أي معنى.

ما يحدث في قطاع غزة، جريمة ذات أبعاد هائلة، له تداعيات سياسية بعيدة المدى. فهو يكشف الجوهر الحقيقي للإمبريالية وكل الأنظمة الرأسمالية التي تصف نفسها ب “الديمقراطية”.

إن تطبيع الإبادة الجماعية هو جزء لا يتجزأ من تصعيد الهجوم على الحقوق الديمقراطية، وزيادة إفقار الفقراء ، وخطط الحروب التي تعدّها الحكومات الإمبريالية. ففي جميع العواصم الإمبريالية، من واشنطن إلى برلين ولندن وطوكيو، تعمل الحكومات على زيادة الإنفاق العسكري بشكل هائل بينما تقوم بخفض البرامج الاجتماعية.

وبينما يدعم قادة هذه الحكومات وانظمة حكم عربية الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات العدوان الصهيوني، يشعر الغالبية العظمى من سكان العالم بالرعب من هذه الجرائم. في مدن وبلدات حول العالم، خرج الملايين من الناس في مظاهرات جماهيرية ضد إبادة غزة. وقد انفتحت هوّة لا يمكن ردمها بين جماهير العالم الغاضبة من الإبادة، وحكوماتها الداعمة لكيان العدوان الصهيوني

بعد تسعة عشر شهرًا من بدء الإبادة الجماعية، أصبح من الضروري استخلاص استنتاجات أساسية. أولاً وقبل كل شيء، من المستحيل وقف الإبادة في غزة من خلال مناشدة القوى الإمبريالية أو مؤسسات القانون الدولي. فالطريقة الوحيدة لوقف المجازر في غزة هي دعم المقاومة في قطاع غزة وتعبئة الجماهير العربية والعالم لتصعيد النضال ضد إبادة غزة والعمل على محاصرة أنظمة التبعية العربية والضغط عليها وخاصة المطبعة منها مع كيان العدوان الصهيوني.

المهمة كبيرة وصعبة لكنها ليست مستحيلة.

 

واشنطن-محمد دلبح

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى