لوبوان تي آن:
لفهم ما حصل حول اللائحة التي تدين أي تدخل خارجي في ليبيا ،ومناهضة تكوين قاعدة لوجستية على التراب التونسي قصد تنفيذ هذا التدخل” يجدر بي التذكير بمجموعة من المسلمات الدستورية والقانونية والقواعد التي تستند الى المواثيق والصكوك والمعاهدات الدولية.
1-الأسانيد الدستورية :
نص الفصل الأول من الدستور التونسي على أن تونس دولة ذات سيادة كما نص الفصل الخامس على ” أن الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي،تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها.ونص الفصل 10 على أن “الدولة تعمل على منع الفساد وكل ما من شأنه المساس بالسيادة الوطنية”.ونصت ديباجة الدستور أيضا على أن الوحدة الوطنية قائمة على المواطنة والأخوّة والتكافل والعدالة الاجتماعية…ودعما للوحدة المغاربية
باعتبارها خطوةً نحو تحقيق الوحدة العربية… ولحقّ الشعوب في تقرير مصيرهاولحركات التحرر
العادلة…وضرورة الإضافة الحضارية، وذلك على
أساس استقلال القرار الوطني، والسلم العالمية، والتضامن الإنساني.
2-الأسانيد الأممية:تنص الفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على أنه” نعقد العزم على إرساء سلام عادل ودائم في العالم بأسره، وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه. ونعقد العزم من جديد على دعم جميع الجهود المبذولة من أجل النهوض بالمساواة في السيادة بين الدول كافة واحترام سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي والامتناع في علاقاتنا الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها بأي شكل يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها ودعم حل المنازعات بالوسائل السلمية وفقا لمبادئ العدالة والقانون الدولي”.كما شددت الفقرة الرابعة من المادة الثانية
على أنه “يمتنــع أعضــاء هيئــة الأمم المتحدة جميعــا في علاقــاتهم الدوليــة عــن التهديد باستعمال القوة أو اسـتخدامها ضـد سـلامة الأراضـي أو الاسـتقلال السياسـي لأيـة دولـة أو علـى أي وجـه آخـر لا
يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
ونشير هنا على أن تضمين اللائحة المعروضة على مجلس نواب الشعب على التزامها بمرجعيتها الأممية (ميثاق الأمم المتحدة )في منع استخدام القوة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة ونسطر الف سطر على (أي دولة) وهو ما يعني أن اللائحة تندد بتدخل أية دولة طبق ميثاق الأمم المتحدة
3الأسانيد الموضوعية:
نصت اللائحة في نقطتها الخامسة على أن مرجعيتها المعتمدة هي السياسة المنتهجةفي الديبلوماسية التي تعتمدها تونس منذ تأسيس الجمهورية والتي تقوم على أساس “التمسك بالقرار الوطني والتعامل مع المجتمع الدولي على قاعدة التعامل بالمثل والاحترام والندية وعدم الاصطفاف وراء المحاور مهما كانت” ونسطر الف سطر على(المحاور مهما كانت)وبالتالي تستهدف اللائحة كل المحاور بدون استثناء ومهما كانت هذه المحاور سواء المحور المصري أو الاماراتي أو السعودي أو الفرنسي أو الأمريكي أو الروسي أو التركي.
وتختم اللائحة بنص قطعي في دلالته لا يحتاج التوضيح” إن مجلس نواب الشعب يعلن رفضه (لأي تدخل أجنبي) والتعميم بلفظ (أي) يعني الجميع بدون استثناء .
ثم التنصيص في اللائحة على المناهضة التامة في تمكين الأطراف التي تخطط للتدخل العسكري من قاعدة لوجستية على ترابنا” وبالتالي فان اللائحة عمّمت الأمر وأوردة لفظة “الأطراف”معرّفة وفي المطلق وليس طرفا معينا ،وهو ما يعني أن اللائحة تستهدف(كل الأطراف) من دون تمييز وهي تحدد الطرف بكونه الذي يخطط للتدخل العسكري والذي يبني قاعدة لوجستية على ترابنا للاعتداء على الشقيقة ليبيا وهو فعل يتوجب مناهضته باعتباره أمر مجرّم في كل القوانين. وأستغرب كيف لا نجرمه ولا نصوت لصالح التنديد بهذه الأفعال والانتهاكات الجسيمة المحرمة دوليا ووطنيا بغضّ النظر عن من طرح اللائحة ومن اقترحها على اعتبار أن مضمونها أخلاقي ويندرج ضمن الدستور التونسي والمواثيق الدولية والمبادئ الحقوقية والإنسانية والدينية كذلك.
وإذا علمنا أن نقيض الإمضاء يقابله مخالفة جسيمة للدستور التونسي وافساد علاقات الجوار مع اخواننا في ليبيا،وتضادّ مع تعهداتنا والتزاماتنا إزاء ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي الإنساني .
وإشارة بالقبول بمؤامرات التقسيم التي تنجزها الأطراف الدولية على الأرض الليبية والقبول بأعمال التقسيم التي تحدث فيها بفعل الحرب التي تقودها الأطراف الأجنبية وهو ما يؤثر سلبا على محاولات الديبلوماسية التونسية والجزائرية في ايجاد حل سلمي بين الفرقاء.
وكان الأصل في النخبة المشرّعة أن تنظر إلى فحوى المبادرة لا إلى جهة المبادرة حتى لا يضطر بعضهم إلى مخاتلة الراي العام بالزعم ان الإمضاء على اللائحة سيؤثر على معاملاتنا الاقتصادية والمالية والتجارية وهو زعم سخيف وركيك وتافه باعتبار ان معاملاتنا المالية والاقتصادية والتجارية مع الآخرين تضبطها معاهدات ونصوص واتفاقيات دقيقة وواضحة ومحددة قانونا وفعلا.
أما الزعم أن اللائحة قد جاء فيها تحديد طرف بعينه وقع التنديد به بالبرلمان العربي فهذا التحديد لا يضر بالتعميم الوارد في اللائحة القاضي بمناهضة كل الأطراف وأي (جهة كانت)سواء اعتدت أو ستعتدي أو تنوي الاعتداء.
ثمّ إن هذا القرار الصادر بالبرلمان العربي قد صوت عليه البرلمان التونسي من خلال ممثليه في 15 جانفي 2020 واذا قررنا أن نرتد على مواقفنا فما علينا إلا قطع علاقتنا بالبرلمان العربي حتى لا نتخذ قراراته مرجعا في لوائحنا أو تعهداتنا.
أختم لأقول أن اللائحة تم تنقيحها لتكون ضمن أوسع توافق ولتكون غير متضمنة لأسماء دول بعينها بل عامة وشاملة ومطلقة،تحمل فكرة أساسية هي إدانة أي تدخل خارجي في ليبيا,ومناهضة تكوين قاعدة لوجستية على التراب التونسي قصد تنفيذ هذا التدخل”.
فلماذا نقبل بضد ذلك ؟.
ولماذا نقبل بالتعدي على سيادة الأوطان وحق الشعب الليبي في تقرير مصيره بنفسه دون تدخل أي طرف كان سواء عسكريا أو لوجستيا؟
وكيف يمكن تبرير هذا الأمر؟ وبأي مخاتلة يمكن اقناع الناس برفض اللائحة؟ وكيف سيبرر الذين لم يصوتوا مطلقا على اللائحة أو ضدها؟ وما هو الابداع الاخلاقي والسياسي الذي سيستعملونه
بقلم النائب بمجلس نواب الشعب زهير مخلوف