لوبوان تي ان :
لم تحسم سلطات الجمهورية الإسلامية الإيرانية التكهنات بشأن الطريقة التي استخدمت في اغتيال الشهيد اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” . هل تم ذلك بعدوان شنته مسيرة صهيونية أو غيرها أم بصاروخ أطلق على بناية الضيافة لمحاربي الحرس الثوري القدامى حيث كان يقيم هنية ، وهل أطلق الصاروخ من داخل إيران أم من بلد مجاور مثل تركمنستان أو أذربيجان، أو من البحر أو من إحدى القواعد الأميركية في العراق أو أن هناك صحة لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز يوم الحميس أن الاعتيال تم بعبوة متفجرة تم زرعها في البناية وهو ما يعني أن هناك اختراقا أمنيا وهو ما يواظب كيان العدوان الصهيوني وأعداء إيران ترداده.
لكن مهما كان التفسير الذي ستقدمه السلطات الإيرانية بعد إستكمال تحقيقاتها فإن جريمة الاغتيال قد وقعت ضد أبرز شحصية فلسيطينية مقاومة كانت في ضيافة الحكومة الإيرانية التي فشلت في تأمين الحماية لها. وكان هنية في طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مع حارسه الشخصي الذي قضى معه. وقد وصف معلقون ومحللون عملية الاغتيال أنها كانت استفزازا محسوبا وعملا من أعمال التهور الصهيوني الشديد.
لقد أصاب اغتيال الشهيد هنية منظومة أمن الدولة المستضيفة وهيبتها، كما تجاوز ليكون ضربة دقيقة وحرجة لكل محور المقاومة والدولة التي تدعمه وفيه تحد صارخ لاستقلال طهران وسيادتها ودعوة للحرب التي تدرك قيادة نتنياهو المدى الذي تحاول الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية تجنبها،
من بين الرسائل التي أرادت حكومة نتنياهو توجيهها بعملية اغتيال هنية أن لا مكان آمن لقادة المقاومة، وأنها تعتبر إيران بالدعم الذي تقدمه للمقاومة جزءا من معركتها وأن هذا الدعم لن يمر دون رد.
كما تسعى إلى إبلاغ أطراف إقليمية تعول على العلاقة مع الكيان الصهيوني سرا وعلنا لمواجهة إيران، بأنها ما زالت قادرة رغم ما لحق بها نتيجة عملية طوفان الأقصى ومقاومة غزة التي لم تنكسر سواء في ميدان المعركة أم في ساحة المفاوضات. وهي بذلك ترسل رسائل أيضا لحلفاء إيران بهشاشة أمن الدولة الداعمة للمقاومة ومستوى الخرق في منظومتها الأمنية وتشكك بقدرتها على مواجهة العدوان عليها في مسعى لجعل الحلفاء يعيدون النظر في مدى قوة إيران وهيبتها.
وقبل ساعات فقط من هذا العمل الإجرامي الوقح، هدمت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار مبنى من خمسة طوابق في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، مكتظة بالسكان في بيروت. وتسببت الغارة الصهيونية التي وصفتها الحكومة الإسرائيلية بأنها “مستهدفة”، خمسة أشخاص وأصابت عشرات آخرين من سكان المبنى السكني. ومن بين الشهداء الخمسة فؤاد شكر، الذي وصف بأنه اليد اليمنى لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، وطفلان يبلغان من العمر 10 و6 سنوات. وقد نعاه السيد نصر الله اليوم الجمعة في خطاب تعهد فيه بأن الرد على هذه الجريمة أمرا محسوما. وأن ما تقوم به المقاومة اللبنانية ليس عملا إسناديا لمقاومة غزة بل معركة كبرى مفتوحة ساحاتها غزة وجنوب لبنان واليمن والعراق وإيران.
و مع دخول هجوم الإبادة الجماعية الصهيوني على غزة يومه ال 300 ، تدفع حكومة المجرم نتنياهو وحكومة الولايات المتحدة الإمبريالية وموردي الأسلحة المنطقة بلا هوادة إلى الهاوية وإلى هاوية حرب إقليمية شاملة.
وكان هنية البالغ من العمر 62 عاما والمولود في غزة كبير مفاوضي حماس في مفاوضات طويلة الأمد لإنهاء العدوان الصهيوني على غزة. لكن رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تساءل “كيف يمكن للوساطة أن تنجح عندما يغتال أحد الأطراف المفاوض على الجانب الآخر؟” لكن الحقيقة هي أن المفاوضات كانت خدعة دبرتها حكومة بايدن-هاريس. لقد استخدمها كيان العدوان الصهيوني، بدعم كامل من الولايات المتحدة وكندا والقوى الإمبريالية الأوروبية، كستار دخان لمقاضاتها المستمرة، من خلال القتل الجماعي والتطهير العرقي وتدمير البنية التحتية المدنية، لإيجاد “حل نهائي” للقضية الفلسطينية.
كان اغتيال هنية بإجراءات موجزة جريمة حرب. ويضيف تنفيذ ذلك على الأراضي الإيرانية ووسط الاحتفالات بمناسبة تولي الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، السلطة بعدا متفجرا آخر للإجرام والاستفزاز.
كان العمل الإجرامي الصهيوني يهدف إلى إذلال إيران، وزعزعة استقرار قيادتها، وتقويض الثقة في قواتها الأمنية، وأخيرا وليس آخرا، إجبارها على الرد، وتوفير ذريعة لكيان العدوان الصهيوني لمزيد من العدوان. وقبل ساعات فقط من وفاته، التقى هنية بمرشد الجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي.
كيف ردت الولايات المتحدة وبقية العواصم الإمبريالية، التي اعتبرت أن الاغنيال ليس سببا حتى لجعبة من الإحراج. وكان ردهم العالمي على الهجمات الإسرائيلية في طهران وبيروت هو تهديد إيران وحزب الله وإعادة تأكيد التزامهم الثابت ب “الدفاع عن النفس” الإسرائيلي. وهذا يشير إلى أن مثل عملية اغتيال هنية لم تكن لتتم دون دعم ومباركة من الولايات المتحدة.
وكما هو معتاد الآن بعد كل تصعيد إسرائيلي، كانت هناك موجة من التصريحات من واشنطن ولندن وبرلين وباريس التي تلقي باللوم على إيران وحلفائها في التهديد المتزايد بحرب أوسع وتطالبهم بالتنحي. “هجمات حزب الله على إسرائيل يجب أن تتوقف”، هتفت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك. من المهم منع نشوب حريق إقليميالمندوب الأميركي الدائم لدى الأمم المتحدة روبرت وود، في جلسة طارئة لمجلس الأمن بعد ظهر الأربعاء: “ندعو مجلس الأمن إلى إرسال رسالة لا لبس فيها إلى حزب الله من خلال الوقوف مع إسرائيل وهي تدافع عن نفسها ضد هجمات حزب الله المتكررة”. وعلى نفس المنوال، طالب وود مجلس الأمن باتخاذ إجراءات، بما في ذلك عقوبات جديدة محتملة، “لمحاسبة إيران ومعالجة الإجراءات المتكررة من قبل وكلائها الإرهابيين”.
في وقت سابق من يوم الأربعاء، ادعى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة “ليست على علم أو متورطة في” الاغتيال الإسرائيلي لهنية في طهران. حتى لو قبل المرء أن تل أبيب لم تشارك التفاصيل العملياتية ، فإن أيدي واشنطن ملطخة بدماء هذه الجريمة. وكان بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن ومسؤولون آخرون في البيت الأبيض يحثون إسرائيل علنا على الاستفادة بشكل أكبر من الاغتيالات “المستهدفة” ضد حماس وحلفائها. علاوة على ذلك، حتى في خضم ما يسمى ب “مفاوضات السلام”، تضغط واشنطن على قطر لطرد قيادة «حماس» من أراضيها.
منذ زيارة نتنياهو إلى واشنطن الأسبوع الماضي، والتي شملت اجتماعات مع الرئيس بايدن ونائبة الرئيس والمرشحة الرئاسية المفترضة للحزب الديمقراطي كمالا هاريس، دخل كيان العدوان الصهيوني في حالة من الهياج. وبالإضافة إلى الهجمات على بيروت وطهران، نفذ العدو الصهيوني اعتداءات في جنوب لبنان وسوريا والعراق. وفي 20 تموز/يوليو الجاري، قصف ميناء الحديدة اليمني.
إن توقيت تصعيد الكيان الصهيوني عدوانه يوضح أن توسيع الإبادة الجماعية في غزة إلى صراع إقليمي كبير قد أعطى الضوء الأخضر من قبل واشنطن خلال زيارة نتنياهولواشنطن. وفي الحدث العام الرئيسي في رحلته، وهو خطابه في 24 تموز/يوليوالجاري أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي، ركز نتنياهو الكثير من تصريحاته على مواقف إيران وقلب الواقع رأسا على عقب، وصور طهران على أنها المعتدي، تماما كما ادعى بشكل بشع أنه لم تقع إصابات بين المدنيين تقريبا في غزة. ووسط تصفيق صاخب، أعلن نتنياهو أن كيانه في قتاله مع إيران وحلفائها، يشن معركة أميركية، وأن الكيان الصهيوني يستحق دعم واشنطن غير المحدود في استخدام أساليب الإبادة الجماعية وتمزيق القانون الدولي. وأعلن أنه “إذا كانت أيدي إسرائيل مقيدة، فإن أميركا هي التالية”.
وقد أصدر نتنياهو عقب اغتيال هنية وشكر بيانا مشؤوما يعد تجمع المستعمرين اليهود في فلسطين المحتلة لتوسيع الحرب. وأعلن أن “مواطني إسرائيل ينتظرون أياما صعبة منذ الضربة في بيروت هناك تهديدات تدوي من كل الاتجاهات، نحن مستعدون لأي سيناريو وسنفرض ثمنا باهظا لأي عدوان”.
بالضبط كيف ستتطور الحرب في الأيام والأسابيع المقبلة لا يمكن القول بأي قدر من اليقين. ما لا جدال فيه هو أن أزمة الكيان الصهيوني وداعميه الإمبرياليين وعلى رأسهم واشنطن ، ومنطق الحرب التي بدأوها – الأهداف المفترسة التي يسعون إليها والعنف المتصاعد والتهور الذي يسعون إلى تحقيقه – يؤدي حتما إلى حرب على مستوى المنطقة ، مع انضمام الولايات المتحدة إلى الهجوم على إيران وحلفائها.
مثل هذه الحرب يمكن أن تجذب بسرعة مجموعة من القوى الإقليمية والعظمى وتهدد بإشعال حريق عالمي. والمسألة المطروحة هي مصير المنطقة التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، وأيضا بسبب موقعها عند تقاطع أوروبا وآسيا وأفريقيا، فهي ذات أهمية جغرافية استراتيجية هائلة.
خيار الحرب الإقليمية ليس خيارا سيئا، إذ أن خيار حرب المنطقة الرمادية التي ما تزال إيران تعتمدها ليست هي الخيار الصحيح فيما يقع حلفاؤها في محور المقاومة تحت التهديد والقصف والقتل والتدمير اليومي الذي يمارسه كيان العدوان الصهيوني. لذلك كما هو الحال مع حزب الله في ضرورة الرد الحاسم والمزلزل على اغتيال قادته العسكريين في عقر منطقته وحاضنته الشعبيةـ، فإن على إيران أن ترد على اغتيال هنية في عقر دارها بشكل واضح يرسخ صورتها ومكانتها في المنطقة كدولة قادرة أو أن تتقوقع في داخلها ومشكلاته وتقبل بتسويات تحط من قدرها وهيبتها ومكانتها، وبذلك لن تعود تلك الدولة التي تتطلع أنظار مئات الملايين من شعوب دول نحوها وترى فيها نقطة ضوء وملاذ في مواجهة عدوان الحلف الإمبريالي/الصهيوني.
لقد دعمت القوى الإمبريالية ، بقيادة الولايات المتحدة ، كيان العدوان الصهيوني إلى أقصى حد في الإبادة الجماعية لأنها ترى حرب غزة كخطوة أولى لتحقيق خططها لإقامة هيمنة إمبريالية جامحة على المنطقة العربية وجوارها. علاوة على ذلك، وكما أوضح بايدن وبلينكن أنفسهما، فإن الحرب التي يخوضانها إلى جانب العدو الصهيوني ليست سوى جبهة واحدة في حرب عالمية آخذة في التطور. وينظر إلى تأمين الهيمنة على المنطقة باعتباره أمرا بالغ الأهمية لإخضاع روسيا، التي تخوض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي معها بالفعل حربا، والتغلب على الهجوم العسكري الاستراتيجي والاقتصادي الشامل ضد الصين.
محمددلبح – واشنطن-