
لوبوان تي ان:
لم تأتِ استقالة نورالدين الطبوبي من الأمانة العامة للاتحاد العام التونسي للشغل بوصفها قرارًا معزولًا أو مفاجئًا تمامًا، بل بدت نتيجة منطقية لمسار بلغ حدوده القصوى. فالرجل وجد نفسه في قلب معادلة شديدة التعقيد، حيث تداخلت الضغوط السياسية مع التصدعات التنظيمية، وتحولت القيادة من موقع إدارة الصراع إلى موقع استنزاف دائم.
على المستوى السياسي، اتسمت المرحلة الأخيرة بانسداد واضح في العلاقة بين الاتحاد والسلطة التنفيذية. هذا الانسداد لم يكن مجرد خلاف حول ملفات اجتماعية أو اقتصادية، بل صراعًا على النفوذ والتموقع في المجال العام. ومع مرور الوقت، لم يعد الصراع يُدار على قاعدة شدّ وجذب متوازن، بل أصبح مواجهة مفتوحة تُحمّل القيادة النقابية كلفة عالية، سواء في علاقتها بالدولة أو في صورتها أمام الرأي العام.
في المقابل، لم يكن الداخل النقابي أقل توترًا. فالتباين في الرؤى داخل هياكل الاتحاد حول طبيعة المرحلة، وحدود التصعيد، ودور المنظمة في المشهد السياسي، خلق حالة من الاحتقان الصامت. ومع تراجع القدرة على إنتاج توافقات داخلية صلبة، تحوّل الأمين العام تدريجيًا إلى نقطة تركّز للخلافات، لا إلى عنصر تجميع. وعندما تصل القيادة إلى هذه المرحلة، يصبح استمرارها عامل تعطيل بدل أن يكون عامل استقرار.
من زاوية أعمق، يمكن النظر إلى الاستقالة باعتبارها تعبيرًا عن مأزق القيادة النقابية التقليدية في زمن التحولات الحادة. فالأدوات القديمة لم تعد كافية، والتوازنات التي حكمت العلاقة بين الاتحاد والدولة لم تعد قائمة، مما يجعل تغيير القيادة أحد الحلول المتاحة لإعادة ترتيب المشهد الداخلي، ولو بثمن سياسي وتنظيمي مرتفع.
الأكيد ان استقالة نورالدين الطبوبي تعكس لحظة تصدّع أكثر مما تعكس حدثًا شخصيًا. إنها نتيجة تراكم صراعات وضغوط وانسدادات، انتهت عند قناعة مفادها أن استمرار القيادة لم يعد ممكنًا بنفس الشروط، وأن الخروج قد يكون أقل كلفة من البقاء في موقع لم يعد يسمح بالفعل ولا بالحسم.
هاجر واسماء



