لوبوان تي ان :
في التاسع من يونيو/حزيران الجاري أنتهت رسميا صلاحية اتفاقية البترودولار التي مضى عليها 50 عاما بين الولايات المتحدة و السعودية، وكانت تلك الاتفاقية قد عقدها الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز في التاسع من يونيو/حزيران 1974 مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس نيكسون عبر وزير خزانتها وليم سايمون، وهي اتفاق استراتيجي تتعهد فيه السعودية، لخمسين عاما، بتسعير نفطها حصريا بالدولار الأميركي، لا بل واستثمار فائض عائداتها منه في السندات الحكومية الأميركية؛ لقاء؛ تعهد واشنطن رسمياً بتقديم الدعم العسكري وحماية النظام السعودي من أخطار الداخل والخارج أي ترسيم ما كان قائما منذ اتفاق عبد العزيز آل سعود مع الرئيس الأميركي الراحل روزفلت في عام 1945. كان هذا الترتيب في عام 1974 وضعا مربحا لكلي الطرفين، اكتسبت الولايات المتحدة مصدرا مستقرا للنفط وسوقا أسيرة لديونها ، بينما أمنت السعودية أمنها الاقتصادي والعام.
ويشير مصطلح “البترودولار” إلى دور الدولار الأميركي كعملة مستخدمة في معاملات النفط الخام في السوق العالمية. وقد عقدت اتفاقية البترودولار الأميركية السعودية بعد فترة وجيزة من خروج الولايات المتحدة عن معيار الذهب الذي من شأنه أن يستمر ليكون له عواقب بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي. في تاريخ التمويل العالمي، لم يحقق سوى عدد قليل من الاتفاقيات العديد من الفوائد التي حققتها اتفاقية البترودولار للاقتصاد الأميركي.
وقصة اتفاق البترو دولار السعودي الأميركي بدأت عقب حرب أكتوبر /تشرين الأول 1973 حيث قامت السعودية ودول عربية أخرى بقطع نفوطها عن الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تدعم كيان العدوان الصهيوني وكان لمزيج من تخفيض انتاج النفط العربي – وغالبيته خليجية -، ومن ثم ارتفاع سعره؛ مصحوباً بحظر توريده للولايات المتحدة، لأربعة شهور خلال حرب اكتوبر وبعدها، فعلٌ معوّق للاقتصادات الغربية، وبالأخص الأميركي منها، فضلاً عن تعريض هيبة الولايات المتحدة للتهشيم؛ والهيبة هي الصولجان الذي بدونه تهتزّ مكانة القوة الأعظم
وقد اشتد الضغط الأميركي على الملك فيصل، بشكل محموم، كي يرفع الحظر، وبلغ الأمر حد التهديد في خطاب نيكسون أمام الكونغرس في ٢٠ يناير/كانون الثاني 1974.
كان حرج الملك فيصل في أنه وعد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد باستمرار الحظر حتى نيله اتفاق فصل قوات (فك اشتباك على جبهة الجولان) دسم، فاستعان بالرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي كان تقديمه خدمةً لواشنطن أسمى أمانيه، فأعانه؛ ولمّا لم يُفد ذلك في تليين قناة الأسد لجأ الملك الى الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين فجمع الثلاثة عنده، ورُفع الحظر في فبراير/شباط 1974.
وتتجاوز أهمية النفط المقوم بالدولار الأميركي وحده فئتي النفط والتمويل. من خلال فرض بيع النفط بالدولار الأميركي ، حيث رفعت الاتفاقية مكانة الدولار كعملة احتياطية في العالم. وهذا بدوره أثر بعمق على الاقتصاد الأميركي. وقد ساعد الطلب العالمي على الدولار لشراء النفط في الحفاظ على قوة العملة ، مما جعل الواردات رخيصة نسبيا للمستهلك الأميركي. بالإضافة إلى ذلك، دعم تدفق رأس المال الأجنبي إلى سندات الخزانة الأميركية انخفاض أسعار الفائدة وسوق السندات القوية.
ويقول الخبير في شؤون الاستثمار ستثماري ديفيد راست بأن قوة الدولار هي عامل رئيسي وراء ارتفاع مستوى المعيشة في الولايات المتحدة أمريكا، مشيرا إلى أن السبب الذي يجعل الناس في الولايات المتحدة يتمتعون “بمستوى معيشي مرتفع مثلنا هو أن الدولار قوي”. ثم يشرح رايت أن هذه القوة ترجع جزئيا إلى الإيمان باقتصادنا “ولأن الطاقة لا يمكن شراؤها بدون الدولار الأميركي”.
إمكانية تعطيل النظام المالي العالمي
ومع ذلك، قد تواجه هيمنة البترودولار أكبر تحد لها حتى الآن. إذ يترتب على انتهاء صلاحية اتفاقية البترودولار السعودية الأميركية آثار بعيدة المدى، حيث أنه ينطوي على إمكانية تعطيل النظام المالي العالمي.
ويشير تقرير اقتصادي نشر على موقع ناسداك أن ديناميكيات القوة المتغيرة في سوق النفط تعد عاملا حاسما في هذا التطور. وأدى ظهور مصادر الطاقة البديلة ، مثل مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي ، إلى تقليل اعتماد العالم على النفط. وعلاوة على ذلك، فإن ظهور دول جديدة منتجة للنفط، مثل البرازيل وكندا، قد تحد الهيمنة التقليدية على الشرق الأوسط.
مستقبل الدولار الأميركي
قد يؤدي انتهاء صلاحية البترودولار إلى إضعاف الدولار الأميركي ، وبالتالي الأسواق المالية الأميركية. إذا تم تسعير النفط بعملة أخرى غير الدولار ، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب العالمي على الدولار. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وضعف سوق السندات في الولايات المتحدة. كما يمثل انتهاء صلاحية اتفاقية البترودولار تحولا كبيرا في ديناميكيات القوة العالمية. ويسلط الضوء على التأثير المتزايد للاقتصادات الناشئة والمشهد المتغير للطاقة. وفي حين أن الآثار الكاملة لهذا التحول لم تتضح بعد، ينبغي للمستثمرين على الأقل أن يدركوا أنه على المستوى الكلي، يدخل النظام المالي العالمي حقبة
اللافت أن السعودية تركت انتهاء اتفاق البترودولار يذوي دون تجديد أو حتى تمديد.. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل ما إذا كان ذلك توطئة لتنويع العملات، أم مجرّد سيف مسلط على عنق واشنطن؟ الجواب متروك للمستقبل القريب.
واشنطن-محمد دلبح