لوبوان تي ان :
تنطلق اليوم في الكاميرون دورة جديدة من بطولة أمم إفريقيا لكرة القدم وسط مناخات تؤكد أن كرة القدم ليست مجرد رياضة أو لعبة بل هي واجهة و مجال لتقاطع رهانات و مصالح سياسية و إقتصادية و ثقافية متداخلة و متقاطعة. يمكن الانطلاق في كشف بعض هذه الرهانات في الجدل الذي سبق إنطلاق الدورة بأشهر و الذي أراد ، من خلال التعلل بعدم جاهزية الكامرون و بما يوجد من حراك نشط لبعض حركات التمرد المسلح ، نقل كأس إفريقيا من الكاميرون إلى قطر. لم يسبق أن وقع مجرد التفكير في أن يقع نقل فعاليات كأس أوروبا للامم إلى قارة أخرى لأن الجميع يخشى رد فعل أوروبي لا يمكن إلا ان يكون عنيفا. و لكن ” التطاول ” على إفريقيا يشير إلى إستمرار الرؤية الدونية لأفريقيا و هي نظرة تتغذى من المخيال الاستعماري و من النظر للقارة السمراء كقارة تعاني من العجز و التخلف و لا تبحث إلا عن المساعدات و على من ” يأخذ بيدها “.
و اللافت في هذا الصدد أن كل جامعات كرة القدم الإفريقية فضلت الصمت و عدم رد الفعل و لولا تصدي رئيس الجامعة الكامرونية لكرة القدم صموئيل ايتو لوقع وضع الاقتراح موضع التنفيذ خاصة و ان كرة القدم بشكل عام أصبحت أكثر خضوعا للمال و سطوته و هو ما جعل تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى يكاد يتحول إلى مناسبة للابهار و لاستعراض القدرة المالية و ما يرتبط بها من تطلع لأداء دور سياسي متقدم إقليميا و دوليا.
و لم يكن هذا هو عنصر الجدل الوحيد الذي سبق إنطلاق الدورة بل كانت هناك محاولات قامت بها الأندية الرياضية الكبرى في أوروبا حتى لا تسرح نجوم افريقيا الذين ينشطون في صفوفها للالتحاق بمنتخباتهم رغم وجود لوائح الفيفا الملزمة في هذا الشأن. تلكؤ الأندية الأوروبية يعكس تطورين عرفتهما كرة القدم على الصعيد الدولي في السنوات الأخيرة. التطور الأول تمثل في أن كاس أمم إفريقيا كان عند انطلاقه مسابقة هامشية لا تثير الإهتمام لأنه تعبير عن تطلع أفريقي للعب دور بعد أن استقلت أغلب الدول الإفريقية و لكنه كان في ما يشبه القطيعة مع مسار تطور كرة القدم العالمية و الأوروبية تحديدا.
بداية التحول جاءت مع مشاركة المنتخب التونسي في كأس العالم سنة 1978 . فقد قدم المنتخب التونسي اداءا مختلفا عن أداء المنتخبات الإفريقية التي شاركت في الدورات السابقة و التي غالبا ما انهزمت بنتائج ثقيلة. أكدت منتخبات الجزائر و المغرب و مصر و الكاميرون لاحقا ما قدمته تونس و هو ما جعل المتابعين يدركون أن شيئا ما يجري داخل كرة القدم الإفريقية و أنه من المهم الاقتراب أكثر من ” كوكب الكرة الإفريقية ” و ذلك لالحاقها بحركية الكرة العالمية و الإفريقية تحديدا. طغت الرؤية الأوروبية التي تعتبر أن إفريقيا توفر ” المادة الخام ” و هم في واقع الحال اللاعبون الذين ارتفع عددهم في أوروبا في السنوات الأخيرة بشكل لافت. و اما ” الخبرة ” فتوفرها أوروبا من خلال ” تصدير ” المدربين إلى إفريقيا.
و تكفي الإشارة هنا إلى أنه لا يوجد مدرب إفريقي واحد في أوروبا. و تعكس دورة الكاميرون لكأس الأمم الأفريقية إلى جانب هذه المعطيات الموضوعية النزعة الإفريقية لفرض الذات و التي يجسدها صموئيل ايتو الذي تحدى ” النظام الكروي العالمي ” و نجح في أن يبرز ما ميز بعض اللاعبين الأفارقة كجورج وياه من انخراط في الشأن العام و عدم التنكر لاوطانها و العمل على خدمتها و هو انخراط يبقى مفقودا أو على الأقل ضعيفا في الوطن العربي.
هشام الحاجي