أحداث

أزمة التعليم في تونس: أزمة مدرسة أم أزمة مجتمع؟

لوبوان تي آن :

راهنت دولة الاستقلال في تونس منذ 1956 على التعليم كقطاع حيوي للنهوض بالمجتمع ورغم عدم نجاح هذه السياسة في الوصول الى كل التونسيين بدون استثناء في بدايات بناء الدولة الوطنية، فإن التعليم انتشر شيئا فشيئا ليشمل كل المدن والأرياف والبوادي التونسية تقريبا مع منتصف ثمانينات القرن الماضي. ظل التعليم حتى بداية الألفية الجديدة السبيل الوحيد للترقي الاجتماعي والطبقي للعائلات التونسية لكن بفعل تزايد عدد المتعلمين وخريجي الجامعات مقابل عجز الوظيفة العمومية عن استيعابهم شهدت تونس تخرج أسراب من المعطلين تزامن ذلك مع أزمة شاملة شهدها التعليم في تونس وها نحن نشهد أوجّها هذه الأيام. فهل أن أزمة التعليم في تونس هي أزمة مدرسة أم أزمة مجتمع؟
1/ التعليم في تونس أزمة مدرسة:
يدخل التلميذ المدرسة صباحا ويغادرها مساء يحمل معه محفظة مثقلة بالكتب والكراريس وزنها يفوق وزنه… مدارس يغلب اللون الأبيض على جدرانها واللون الأزرق على أبوابها ونوافذها … مدارس بقاعات تشبه محتشدات أفران الغاز في ألمانيا النازية طاولات لم تتغير لعشرات السنين، بعضها مهشّم نوافذ محطمة تنقل للتلاميذ ومعلميهم الحر الشديد صيفا والبرد القارس شتاء، أرضيات بألوان سوداء ورمادية متّسخة. يدخل المعلم أو الأستاذ القسم يردد نفس الدرس الممل المعزول عن واقع التلميذ والذي لم يتغير منذ سنوات. دروس جافة جامدة لا يستطيع التلميذ تمثّلها أو استيعابها لبعدها عن بيئته التي يعيش فيها.
يغادر التلميذ الدرس بعد ساعتين من الحشو الفكري الذي يعجز دماغه الصغير الغض الطري عن استيعابه ليرتاح عشر دقائق يقضي فيها حاجته البشرية في مراحيض تسبب الأمراض والالتهابات لكل من يدخلها ولا تستطيع استيعاب ذلك العدد الكبير من التلاميذ الصغار. عشر دقائق لا تكفي الطفل لكي يقضي فيها حاجته ويأكل فيها لمجته حتى يرن الجرس ويجد التلميذ نفسه مرة أخرى في صف طويل كي يدخل الى المحتشد من جديد يتلقى أطنان من المعلومات التي تعجز رفوف عقله الصغير عن استيعابها. هذه العملية المملة تأخذ نصف يومه ونصف عمره فيصبح المسكين رهين روتين يومي ممل يسرق حياته.
في الجهة المقابلة يجد المربي نفسه في نفس الوضعية فالمعلم هو تلميذ راسب أو ببغاء أو آلة تردد نفس الدروس والمناهج لسنوات بلا تغيير أو تطوير. بقاعات تسبب المرض شتاء وصيفا وبأجواء مشحونة بسبب ضغط الالتزامات داخل القسم والمدرسة وخارجها في مهنة تصنف على أنها ثاني مهنة شاقة بعد مهنة عمال المناجم. يشترك المعلم والمتعلم إذا في أزمة المدرسة فهما ضحيتان ولو تناقضت المواقع ليغادر كل منهما المحتشد ليجد نفسه في محتشد آخر.
2/ التعليم في تونس أزمة مجتمع:
يغادر التلميذ المدرسة تمام الخامسة مساء وكان قد قضى نصف يومه داخل أسوار المدرسة ونصفه الثاني داخل روضة بنفس ظروف المدرسة تقريبا شحن للمعلومات وللأفكار أغلبها بطريقة آلية أوتوماتيكية لا يعمل عقله في أغلب حصصها ولا يستمتع بها. يغادر التلميذ ليحضن أمه وأباه بعد ساعات من الاغتراب المجتمعي والاستلاب الاسري فيعود الى المنزل ليكمل دروسه وتمارينه ويشاهد بعض البرامج التلفزية وهنا معضلة أخرى اسمها وسائل الاعلام في تونس.
يشاهد التلميذ في تونس مسلسلات وبرامج يبثها اعلام في أغلبه لا مسؤول يبث مسلسلات وكليبات ولغايات تجارية تتغنى وتفتخر بالعنف والبراكاجات والباندية والمخدرات والحرقة، برامج يشرف عليها ويديرها الجهلة والأنستغرامات وصناع المحتوى ويغيب عنها المثقفون والمختصون والنخب الحقيقية. برامج تروج لنجاحات وهمية يرى فيها الطفل نفسه في شخصيات كأولاد مفيدة وعلي شورب وغيرهم. برامج تحول الطفل من شخص حالم بتتبع مسالك المعرفة الى أخر مجرم يرى ويمثل شخصيته في ذلك الشخص العنيف المهاب من المجتمع المريض بطبعه.

يشاهد التلميذ برلمان من المفترض أنه يمثل نخبة المجتمع يتبادل المشرعون فيع العنف المادي والمعنوي وتسيل فيه الدماء ويسوده التهديد والوعيد… فكيف نلوم هؤلاء الفتية اذا كان هذا حال نخب البلد.

أما الأولياء فهم ضحايا بطبعهم، ضحايا الفقر والتهميش وغلاء الأسعار. يقضي الوالدان يومهما في العمل الشاق والمضني وبين وسائل النقل المهترئة ليجود عليها رأس المال اللاوطني أخر كل شهر بمئات قليل من الدنانير لا تكفيهما لإعالة العائلة. أولياء يعانون الحيف والاستغلال في العمل والبعد عن الأبناء أجبرهما الوضع الاقتصادي والاجتماعي الرديء والمتفاقم على التخلي عن المهام المنوطة بعهدتهم بالعناية بأبنائهم والاحاطة بهم. وضعية مجتمعية ساهمت في تشظي الأسرة ومن ثمة المجتمع الذي تفاقمت وتيرة العنف فيه نتيجة تراجع دور الأسرة فأصبح العنف ثقافة وخيارا داخل المدرسة وخارجها وها نحن وصلنا اليوم الى القاع وقد لا نستطيع أن نغادره للأسف الشديد….

أزمة التعليم في تونس وما ولدته من عنف هي أزمة مشتركة تشكلت خارج المدرسة وداخلها نظرا لارتباط المدرسة بالمجتمع الذي يشع عليها. أزمة تتحمل فيها سلطة الاشراف المسؤولية الأكبر فهي من رمت المعلم والتلميذ معا في أتون صراعات من المفروض أن يخوضها الجميع جنبا الى جنب لا وجها لوجه وهذا مل سعت اليه ونجحت فيه للأسف.

بقلم الباحث محمد ذويب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى